شهران فقط كانَ كافيان لإحداث توترات
واضطرابات في
قطاع الصناعات الغذائية في مصر، أحداث متتالية ومتسارعة تضرب القطاع،
أزمات ونجاحات وتعثرات وصمود، قطاع الصناعات الغذائية هو القطاع الأساسي للحياة،
وفي الفترة الأخيرة شهد هذا القطاع تحولات وتحديات عديدة أثرت على أحواله وتطوره، والتي
تمثلت في " حملات دعم المنتج المصري" خالفتها أزمة السكر" والتي هي
في الحقيقة ليست بأزمة ولاحقتهم" زيادة أسعار المنتجات الغذائية بدون
مبرر".
لقد
شهدت الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في أسعار المواد الغذائية، ليس ذلك فقط بل أيضًا
في ضغوط اقتصادية على الأسر والمستهلكين، فضلاً عن التغيرات
المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج والتوترات الجيوسياسية، وهذه
التوترات ليس فقط في مصر بل في كافة أنحاء العالم.
التسلسل الزمني للأحداث
حملات
دعم المنتج المحلي وتعزيز الصناعة الوطنية
بعد أحداث قطاع غزة والتصعيد العسكري الذي قام به الكيان الصهيوني ضد
الفلسطينيين، شهدت العديد من الدول حملات دعم قوية للمنتج المحلي، وهدفت هذه
الحملات إلى زيادة الوعي بأهمية دعم المنتجات المحلية وتشجيع المستهلكين على
شرائها، ويمكن لهذه الحملات أن
تساهم في تحسين أحوال قطاع الصناعات الغذائية وتعزيز الاقتصاد المحلي.
دعم المنتجات المحلية يساهم في تعزيز قطاع الصناعة في البلد، مما يؤدي إلى
زيادة الإنتاج المحلي وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين وبدوره، ينعكس ذلك على النمو
الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة للمجتمع بشكل عام، كما يمكن أن
تؤدي فكرة توطين الصناعة إلى تنويع قاعدة الصناعات المحلية وزيادة تكاملها.
عندما يكون هناك الطلب على المنتجات المحلية، يتعين على الشركات والمصانع
توسيع نطاق إنتاجها وتحسين جودة منتجاتها وتكنولوجياتها، وهذا يعزز
التكنولوجيا والابتكار في الصناعة الوطنية ويسهم في تطويرها وتحسين تنافسيتها على
المستوى العالمي، وعملية توطين
الصناعة تعزز الاقتصاد الوطني عندما يكون هناك اعتماد أقل على المنتجات الأجنبية، فهي تحد من
المخاطر المتعلقة بتقلبات الأسواق العالمية وتغيرات الأسعار الدولية، كما تمنح
الدولة السيطرة على تدفق السلع والخدمات في اقتصادها، وبالتالي تحمي نفسها من
التبعات السلبية للتحولات العالمية المفاجئة.
إن تعزيز الصناعة المحلية يمكن أن يلعب دورًا في تعزيز
الهوية الوطنية والانتماء الوطني، حيث يشعر
المواطنون بالفخر والولاء تجاه بلدهم عندما يتم تشجيعهم على دعم الصناعة المحلية، ويصبح
الاستهلاك المحلي مظهرًا للتضامن، ويعزز الروح الوطنية والانتماء للدولة.
مع ذلك، ينبغي أن ندرك أن السوق المحلي لا يعتمد فقط على المنتجات المحلية،
بل يحتاج أيضًا إلى توفر المنافسة الصحية والجودة والتنوع، لذلك، يجب أن
ترتكز حملات دعم المنتج المحلي على تحسين جودة المنتجات وتطوير القطاع الصناعي
لتلبية احتياجات المستهلكين.
علاوة على ذلك، يتطلب دعم المنتج المحلي أيضًا تحقيق التوازن بين التجارة
الدولية والاقتصاد المحلي، فالتجارة
الدولية تلعب دورًا هامًا في تبادل الموارد والتكنولوجيا وتعزيز النمو الاقتصادي، يمكن أن تكون حملات
دعم المنتج المحلي فعالة في تعزيز الصناعة المحلية وتحقيق التنمية الاقتصادية
المستدامة، ومع ذلك، يجب أن تتم بشكل متوازن ومدروس،
مع مراعاة التحديات والفرص المتاحة في السوق المحلي والعالمي.
ارتفاع صادرات مصر من الصناعات
الغذائية
تميم الضوى، نائب المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، أعلن
أن المجلس يهدف إلى زيادة صادرات القطاع بنسبة 20٪ خلال عام 2023، لتصل إلى 5
مليارات دولار مقارنة بالهدف المستهدف لعام 2022 والذي يبلغ 4.1 مليار دولار، وهو
نفس مستوى الصادرات في عام 2021.
وأشار الضوى إلى أن قطاع الصناعات الغذائية هو واحد من أكبر وأسرع القطاعات
نموًا، حيث ارتفعت صادرات القطاع من 3.5 مليار دولار في عام 2020 إلى 4.1 مليار
دولار في عام 2021.
وتحدث عن التحديات التي واجهت القطاع، مثل أزمة سلاسل الإمداد العالمية
والحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت على معدلات الصادرات، وتم فرض حظر تصدير بعض
السلع لتلبية السوق المحلية لمدة 6 أشهر، مما تسبب في حظر تصدير الدقيق والمكرونة
والسمنة، وهي تمثل نحو 20٪ من إجمالي صادرات القطاع بقيمة 700 مليون دولار.
وأكد الضوى أن المجلس يضم حاليًا حوالي 450 شركة تمثل نحو 90٪ من إجمالي
صادرات الصناعات الغذائية، ويركز على زيادة عدد الشركات المصدرة مع الالتزام
بتطبيق أعلى معايير الجودة والاشتراطات العالمية للحفاظ على سمعة المنتج المصري في
الأسواق العالمية.
كما أشار إلى أن هناك قطاعات غذائية مصرية تتصدر قائمة الصادرات العالمية،
مثل صادرات الفراولة المجمدة، حيث تعد مصر أكبر مصدر عالمي لها، وبلغت إجمالي
صادراتها خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2023 حوالي 270 مليون دولار مقابل 245
مليون دولار في عام 2021، وتهدف مصر إلى تجاوز 300 مليون دولار في صادرات الفراولة
المجمدة بنهاية العام الحالي.
وأكد الضوى أن المجلس سيركز على تطوير صادرات المكملات الغذائية المصرية،
ويشدد على ضرورة الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها مصر مع مختلف
الدول، مما يساعد على نفاذ المنتجات المصرية إلى الأسواق العالمية بميزات تنافسية.
ويشير الضوى إلى أن المجلس يعمل أيضًا على تعزيز البحث والتطوير في قطاع
الصناعات الغذائية، وتشجيع الابتكار وتنويع المنتجات لتلبية احتياجات الأسواق
العالمية المتغيرة.
أزمة السكر حقيقة واهية ولا تمٌت
للواقع بصلة
سجل سعر الكيلوجرام الواحد من السكر في السوق المحلية في مصر حوالي 48
جنيهًا، إنتاج مصر من السكر يبلغ حوالي 2.8 مليون طن، منها 1.8 مليون طن من بنجر
السكر ومليون طن من قصب السكر، ويطالب نقيب الفلاحين المصريين بتشديد الرقابة على
شركات السكر ويعتبر الارتفاع غير مبرر لأن الاستيراد قليل ويمكن لمصر أن تتحمل
الزيادة من خلال التزود المحلي.
تشير التقارير إلى أن الحكومة قد بدأت بالفعل في اتخاذ إجراءات عملية
لمعالجة أزمة ارتفاع أسعار السكر، ومن المتوقع أن يتم توفير حلول جذرية بحلول
نهاية العام، خاصة مع بدء موسم جديد لزراعة البنجر والقصب.
وأكد وزير التموين، الدكتور علي مصيلحي، أن مصر تمتلك احتياطي استراتيجي من
السكر يكفي لمدة ثلاثة أشهر، وأشار إلى أن انخفاض الأسعار سيحدث في غضون أسبوع.
وأوضح الوزير في تصريحات تلفزيونية أن الارتفاع العالمي في أسعار السكر أدى
إلى زيادة الطلب المحلي، حيث يحصل 60 في المئة من الأسر المصرية على السكر من خلال
بطاقات التموين، و40 في المئة من القطاع الخاص.
ويتم بيع كيلو السكر المدعم على بطاقات التموين بسعر 12.6 جنيه، في حين تصل
تكلفته الحقيقية للدولة إلى 25 جنيهًا، وسيتم فرض رقابة صارمة على الأسواق لضبط
الأسعار.
وسجلت مصر صادرات قيمتها حوالي 185 مليون دولار من السكر في النصف الأول من
عام 2023، بزيادة قدرها 21.7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، بما
يعادل زيادة قدرها 33 مليون دولار، وفقًا لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
ومن المتوقع أن يتم إنتاج السكر المحلي من قصب السكر في نهاية يناير
المقبل، مما سيؤثر بشكل إيجابي على الأسعار المحلية.
وفي هذا السياق، أشار رئيس شعبة السكر في غرفة الصناعات الغذائية باتحاد
الصناعات، حسن الفندي، إلى أن المخزون الاستراتيجي للسكر مؤمَّن حتى أبريل 2024،
وأكد أن المخزون آمن والسلعة متوفرة.
وأشار إلى أن الارتفاع العالمي في أسعار السكر قد يكون له تأثير على
الأسعار المحلية، وأكد أن هناك بوادر لحلول مع وجود البورصة السلعية التي ستلعب
دورًا في ضبط الأسعار، وستشارك الجهات المعنية في هذا الصدد، حيث إن المنتج متوفر
والمخزون آمن، والمبادرة اللازمة تكمن في تنظيم التداول من خلال جهة مختصة مثل
البورصة.
وأكد مصيلحي أن احتياطي السكر الاستراتيجي في مصر يكفي لمدة 5.5 شهر، فضلا
عن أن نسبة الاكتفاء الذاتي من السكر تصل إلى 85%، مشيراً إلى أن الفجوة تبلغ 350
ألف طن سنوياً.
التُجار سبب رئيسي للأزمة
وفقًا للمدير التنفيذي لمعهد بحوث المحاصيل السكرية، الدكتور أيمن العش،
ارتفاع أسعار السكر يرتبط بتورط كبار التجار ومشكلة الاحتكار التي أدت إلى نقص في
المعروض، يشير الدكتور العش إلى أن إنتاج مصر للسكر لم يتأثر هذا العام بالمشكلة
نفسها، مما يشير إلى أن هناك جهات أخرى تلعب دورًا في زيادة الأسعار، ويستفسر
الدكتور العش قائلاً: "عندما تحدث أزمة مع الكمية نفسها من الإنتاج ونفس
الكثافة السكانية تقريبًا، فمن المسؤول بالتالي؟".
ويعتقد الدكتور العش أن المشكلة تشمل العديد من المنتجات وليست مقتصرة على
السكر فقط، وبالتالي فإنها مشكلة مصطنعة ومؤقتة، ومن المتوقع أن تنتهي قريبًا،
خاصة مع بداية العام الجديد في يناير 2024، حيث ستبدأ شركة السكر والصناعات
التكاملية، وهي شركة تابعة لوزارة التموين في مصر، حصاد محصول القصب الجديد، وعندئذ
ستبدأ الحكومة في عرض الإنتاج الجديد من السكر، وبالتالي ستتوفر السلعة بشكل ملحوظ
وستكون متاحة بأسعار مناسبة.
ويشير الدكتور العش إلى ظاهرة النينو التي تسببت في رياح وأمطار غزيرة في
الهند وتايلاند، مما أدى إلى تلف المحاصيل وسقوط القصب في الحقول، مما صعَّب عملية
الحصاد وأثر على جودة المحصول والسكر المنتج. يضيف أن هذا يحدث في فصول غير عادية،
مثل الجفاف في البرازيل في الماضي، حيث تعتبر البرازيل أكبر مصدر للسكر في العالم،
وهذا العام، تعاني الهند وتايلاند، التي تأتي في المرتبتين الثانية والثالثة
عالميًا في إنتاج السكر، من أزمة في إنتاج السكر، مما أدى إلى توقف تصدير الهند
لتشكيل مخزون استراتيجي وحماية احتياطياتها من الأزمة الحالية والأحداث العالمية
المحيطة.
ويوضح الدكتور العش قائلاً: "ومع ذلك، تنتج الهند بشكل عام كميات
هائلة من السكر، وكذلك البرازيل تنتج 38% من إجمالي إنتاج السكر في العالم، ومن
المتوقع أن ينتج العالم حوالي 185 مليون طن من السكر في عام 2023، مقارنةً بحوالي
174 مليون طن في عام 2022، وهذا يشير إلى زيادة في الإنتاج بشكل عام.
شركات الصناعات الغذائية ترفع
أسعار منتجاتها بدون مبرر
تشهد السوق المحلية ارتفاعًا
ملحوظًا في أسعار العديد من المنتجات الغذائية الأساسية في الفترة الأخيرة، وقد
أعلنت عدة شركات معروفة مثل المراعي وهاينز وهارفست وبيتي وجلاكسي وجهينة
وأمريكانا وهيرو للصناعات الغذائية ودومتي للصناعات الغذائية وشركة بدوي جروب عن
زيادة أسعار منتجاتها، ورغم أن الشركات تبرر هذا الارتفاع بعدة أسباب، إلا أنه
يثير تساؤلات حول مدى مبررية هذا القرار.
يعد ارتفاع الأسعار مسألة حساسة تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية
والميزانية الشخصية للأفراد والأسر، وبالرغم من أن الشركات تدعي أن هذه الزيادة
تعود إلى عوامل متعددة مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والمواد الخام، إلا أن
هناك شكوكًا بشأن مدى مبررية هذه التبريرات.
قد يُعتبر الارتفاع الجماعي في أسعار هذه المنتجات بمثابة استغلال
للمستهلكين، خاصةً بعد حملات دعم المنتج المحلي، يشعر الكثيرون بالقلق من أن تلك
الشركات تستغل القوة السوقية التي تتمتع بها وتضعف قدرة المستهلكين على اختيار
بدائل أخرى بأسعار معقولة.
إضافةً إلى ذلك، يُعتبر الارتفاع غير المبرر في الأسعار عاملًا يسهم في
زيادة معدلات التضخم ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي للبلاد، فعندما يتزايد تكاليف
المعيشة بشكل غير متوازن مع زيادة الدخل، يتحمل المستهلكون أعباء مالية أكبر
وتنخفض قدرتهم على الإنفاق في القطاعات الأخرى.
وقال السيد البسيوني، عضو اللجنة العليا للزيوت، إن زيادة سعر الزيت غير
مُبرر بالمرة، وأضاف السيد البسيوني، عضو اللجنة العليا للزيوت، خلال مداخلة عبر
فضائية “المحور”: “جميع زيوت الطعام مستوردة بنسبة 98%” ، لافتا: “صعوبة توفير
الدولار من ضمن أسباب ارتفاع سعر الزيت”.
وأشار: “ارتفاع تكاليف سلاسل الإمداد أثرت بشكل مباشر على سعر الزيت”،
موضحًا: “أناشد المستهلكين بالشراء على قدر الاحتياج وعدم التخزين”، وتابع
السيد البسيوني، عضو اللجنة العليا للزيوت، “تنفيذ توجهيات الرئيس السيسي بمضاعفة
مساحات النباتات الزيتية سيساهم في زيادة الاكتفاء الذاتي من الزيت”.
في النهاية، يجب أن تتم معالجة مسألة ارتفاع الأسعار بشكل جدي ومنظم، وضمان
توفر المزيد من الشفافية والمعلومات للمستهلكين، ويجب أن يكون لديهم حق المعرفة
الكاملة بالأسباب والتفاصيل وراء هذه الزيادات، وأن يكون لهم قدرة على اتخاذ
قرارات استهلاكية مستنيرة وفقًا للظروف الاقتصادية والشخصية الخاصة بهم.
أقرأ أيضًا|
هاني برزي: قطاع الصناعات الغذائية يحتل المرتبة الثالثة في زيادة حجم الصادرات