قليلة هي الأفلام التي تستطيع أن ترضي كل من محبي السينما ومحبي الطعام في الوقت نفسه، ويمثل فيلم The Hundred-Foot Journey مثالًا عظيمًا لهذه الأفلام؛ فهو يمزج بين اثنين من المطابخ العالمية يمتلك كلاً منها رونقه الخاص في قالب واحد ممتع ومسلي ودومًا ما يداعب شهيتك المفتوحة؛ تجد نفسك في خضم الفيلم محاطًا باحتفالية ما بين أناقة المطبخ الفرنسي الناصع وألوان الكرنفال في المطبخ الهندي، وتكون أنت الفائز في قمة متعته حين تتابع الحرب التي انتهت بالتعاون ما بين "مدام مالوري" صاحبة "الصفصاف الباكي" وبين الشيف الشاب "بابا كدام" و"بيت مومباي" البسيط، ليبقى الفيلم ملحمة لأشهى الأكلات التي مزجت بين المطبخين في رحلة The Hundred-Foot Journey.
شياكة المطبخ الفرنسي في "الصفصاف الباكي"
لقطة من فيلم The Hundred-Foot Journey
في الجزء الأول من الفيلم نتعرض للمطعم صاحب نجمة الميشلان المرموق "الصفصاف الباكي" وصاحبته "مدام مالوري" الشيف العظيمة التي تدير معبدها الأسطوري للمطبخ الفرنسي وكيف جسدت هذا الدور النجمة القديرة "هيلين ميرين"، وفي هذه الرحلة الاستكشافية نرى تفاصيل الدقة والكمال للوصفات الفرنسية ذات المستوى الرفيع حيث تكون المكونات من أفخر الأنواع وتوزن المقادير في الوصفة بدقة بالجرام وتحسب الأزمنة بالساعات الموقوتة، والنتيجة نراها أشبه باللوحات الفنية لعصر النهضة أكثر من كونها مجرد أطباق طعام وتتميز بأناقة عروض الأزياء العالمية.
كرنفال ألوان المطبخ الهندي في "بيت مومباي"
هيلين ميرين في دور مدام مالوري
على صعيد أخر نرى الشيف الهندي اليافع حسن كدام حين يغزو القرية بالفرنسية بوصفات المطبخ الهندي، ونرى معه كيف يمكن للطهي أن يأخذ منحى أخر أبسط في صنعه، وتكون النتيجة مهرجانًا من التوابل والبهارات بألوانها الزاهية المختلفة، ودومًا ما تحمل مذاقًا أبسط ما يقال عنه أنه نفسه احتفالًا لغدد التذوق في الفم، ونرى إبداع المطبخ الهندي متجسدًا في كدام حين يستطيع أن يرى بمنظور مختلف من المكونات الفرنسية الفاخرة حوله في القرية فرصة للإبداع ووضع البصمة الهندية في مطعمه المتواضع الذي لا يتعدى كونه كوخًا صغيرًا، إلا أنه استطاع أن ينافس "صفصاف" السيدة مالوري "الباكي" وبدأ منافسة شرسة بينهم مثلت صراعًا بين المطبخ الفرنسي والمطبخ الهندي أضحت فيه المسافة بينهم لا تزيد عن ناصية شارع.
معاهدة السلام اتمضت على طبق "أومليت"
مانيش ديال في دور حسن كدام
حين تتخطى الخلافات الحد المقبول، يتعافى الطهاة بـ"أومليت" البيض، ونرى هذا حين يتم الاعتداء على حسن من أحد طهاة مطعم "الصفصاف الباكي" اعتداء سبب له حروق في يديه؛ فتفصله مدام مالوري بالرغم من خلافاتها مع حسن، وتذهب لتمد له يد السلام، فما يكون رد فعل حسن إلا أن يقبل بالمبادرة ويعرض على مدام مالوري تحضير طبق "أومليت" لها؛ فهو يعلم جيدًا أنها تعتبر أن "الأومليت" هو المعيار التقديري لموهبة الطاهي؛ ونظرًا لإصابته يطلب منها مساعدته؛ فأعطاها الإرشادات وقامت هي بالتنفيذ، وفي مشهد مليء بالدفء نرى تزاوج المطبخين الفرنسي والهندي في ابتكارات هذا وصنعة ذاك أثناء تحضيرهم سويًا لطبق أومليت يستمتع كلاهما بشدة في تناوله.
هتعدى الهند تلاقي فرنسا على الناصية
مدام مالوري وحسن يحضرون أومليت في "بيت مومباي"
وفعلًا يذهب حسن ليتولى مهام المساعد لمدام مالوري في مطبخ "الصفصاف الباكي"، ويمثل هذا التعاون نجاحًا ساحقًا للمطعم؛ فيفوز بنجمة "ميشلان" الثانية، ونرى ابتكارات تزاوج المطبخين في مشاهد تتوق لها الشهية، وهي التي ابتكرها الشيف الهندي الأمريكي "فلويد كاردوز" الذي عمل على ابتكار وصفات تدمج ثقافة مطبخي الدولتين، وهو ما قد نراه تحديدًا في طبق متميز مثل وصفة حسن للـBeef Bourguignon التي مزجت الوصفة الفرنسية المعهودة بالأسلوب الهندي في مزج التوابل وتنوع الألوان، أو الطرق المبدعة للمسة الهندية في الوصفات الفرنسية للحمام والسمان، فنرى في أخر مشاهد الفيلم حين يتناول الأبطال جميعًا العشاء سويًا في "بيت مومباي" على بعد "ناصية" من مقر عملهم جميعًا الآن كيف لهذا الفيلم أن يكون "كرنفال" احتفالي للطعام وثقافته، ويظل في صفحات تاريخ الفن منيرًا بتجسيده لتزاوج اثنين من أكثر مطابخ العالم شهرة بالرغم من اختلافهم الجذري في الأساليب.
حسن في طعم "الصفصاف الباكي"
All rights reserved. food today eg © 2022