إن كنت من هؤلاء الذين ينحازون إلى قوم الشاي بلبن وعشيرته، فأنت بالتأكيد جربت أن "تُسقي" فيه كل الأشياء التي تصلح لذلك، والحقيقة هو مشروب الطيبين كما يسمونه محبيه، فلم نسمعه يرفض أي ضيفًا ابدًا، فيغطس فيه من يشاء حبًا ودلالًا، لم يرفض يومًا البقسماط ولا الفينو ولا الفايش حتى البسكوت بهشاشته حاول أن يستعوبه طول الوقت، إلا بسكوت "نواعم" وحده كان يحتاج قدرات خاصة مهارية للصمود ثوان أطول قبل مغادرته الكباية، فبقى البقسماط هو "السناك" العظيم الذي سند المصريين في كل أوقاتهم، على الفطار، في منتصف اليوم، أو آخره في عشاء خفيف.
إلا أن البقسماط بكل أنواعه وبرغم كل تلك الحميمية بينه وبين المصريين، لم يكن اختراعًا مصريًا، فود توداي ستخبرك بأصل الحكاية ومن اتى به إلى الشاي بلبن.
أكلة الجيش العثماني
في مقال مُترجم منشور بمجلة "راوي" – وهي مجلة دورية عن تراث مصر- عن كيف وصلت بعض الأطباق الشهيرة إلى مصر، ذُكرت سيرة البقسماط بين السطور
قيل على لسان المترجمة - نوران ابراهيمي- أنه استمدُّ قرمشته الجافَّة من تاريخه؛ حيث ابتُكرت هذه المخبوزات من أجل أن تعيشَ وقتًا طويلًا دون أن يطولها الفساد، حين كان الجيش العثماني ينتجها في الأصل لإطعام جنوده، إلا أن الاسم باللغة العربية يأتي من الكلمة التركية "بِكسيمِت"- كلمة تركي عثماني نقلت عن اليونانية- إذ كان البقسماط الناشف والخفيف في آن واحد مثاليًّا في الحركة والانتقال إلى مسافات بعيدة والتخزين لفترات طويلة، كما كان يحتوي على سُعرات كافية لتوفير كَميَّات وافية من الطاقة للجنود والبحارة والعمال الذين كانوا يستهلكونه بانتظام، لم يكن في شكله المعروف، بل كان أعرض أقرب لشكل "الفايش".
500 ألف كيلو بقسماط محمل في سفينة إلى مصر
وفي عام 1801، أصدرَ السلطان العثماني سليم الثالث أمرًا إلى والي جزيرة "رودس" يحثه فيه على إرسال البقسماط إلى مصر. حيث كان البحارة العثمانيون سيُمضون شهور الشتاء على متن سفنهم الراسية في موانئ الإسكندرية ودمياط ورشيد والسويس. فقضت الإرادة السلطانية السامية بإرسال كمية كبيرة قِوامُها 585.156 كيلو جرام من البقسماط إليها لدعم الأسطول المتمركز هناك. متخيل الحجم الهائل لطبيعة بنية النقل العثمانية التحتية التي سُخرت لنقل هذه الكمية الضخمة من الطعام، متمثلة في: سفن ترتحل من رودس إلى مصر، وبغال لحمل البقسماط من ساحل المتوسط إلى السويس، وجِوالات لتعبئته، وعمال للنهوض بهذه المهمة؟!
المصريين عجبهم فعملوه
اذا كان أصل اختراع الخبز، على يد قدماء المصريين بأمارة الجدران وما نُقش عليها، وبأمارة العيش الشمسي، فكيف يستعصى أي نوع مخبوزات على المصريين، أُعجبوا بطعم البقسماط وفكرته، وأنه صالح للحفظ مدة طويلة دون أن يفسد أو يجف حال باقي المخبوزات، فتعلموا صنعه بسهولة بالتجربة، واضافوا إليه أضافاتهم الخاصة، بحبة البركة، والسمسم، وغيرها من الأفكار.
وصار البقمساط من يومها الصديق الصدوق في كل الأوقات، حتى مع البانيه "مارحمنهوش" وطحناه وكان احلى طبقة "كرسبي" مقرمشة للفراخ البانيه.
All rights reserved. food today eg © 2022