مجرد أن أخبر صديقاتي أن أمي خللت لنا لارنج مع الأكل، اجد علامات الاستعجاب والاستغراب والاندهاش في وجوه بعضهن، وتباغتني إحداهن ببعض علامات الرفض والامتعاض "كأن تخرج لسانها لي"، لأنها لا تتخيل نفسها تأكل "هذا الشيء المر" وتسألني كيف تأكلونه وهو لا طال البرتقال ولا اليوسفي ولا أي فاكهة في الأساس.
واستعجبت بالمرة من صنع المربي منه أحيانًا اخرى.
الحقيقة انه بالفعل ثمرة مرة المذاق، لم نخدعكم أنه مسكر مرات ومرات، فثمرة اللارنج "أو النارنج" ثمرة مرة. اخترع المصريون فكرة تحويلها الى مخلل بدلًا من مرارتها تلك.
في طفولتي.. أرى أمي تسلق حبات كثيرة منه في حلة كبيرة تغطي عين البوتجاز الأكبر. تخبرني اسمه "لارنج"، افرح بنطقي لاسمه وأردده أكثر من مرة، لاعيده على مسامع أصحابي في الفصل غدًا، متباهية بصنع أمي لأكلات ذات أسماء صعبة، ولا يعرف أصحابي شيئا عن اللارنج ولا حتى أمهاتهن.
تخرجه أمي من الحلة بعدما أصبح طريا
بعض الشيء، تقطعه أربع أربع،.تضع في قلبه الفلفل الأحمر المفري، والجزر المبشور
وكثير من الملح والثوم والخل والكمون والتوابل السرية التي اخفتها عننا لفترات، وكثيراً جداً من الشطة، تتركها يومًا أو اثنين على الأكثر، حتى يصبح جاهزًا للأكل
منه، كمقبلات فاتحة للشهية مع الأكل، ويفعل ذلك بجدارة.
سنوات ونحن متيمون في البيت باللارنج
المخلل، وسنوات ومازالت أسمع علامات الاستغراب نفسها حين أخبر أي أحد بتفاخر أن أمي تجيد تخيلله، فاسمع جملة
."لارنج؟ومخلل؟!"
ما هو اللارنج المخلل؟
النارنج أو اللارنج، فاكهة حمضية
تشبه البرتقال يميل لونها إلى الأحمر قليلًا، لها أزهار بيضاء ذات رائحة عطرية
لطيفة، خشنة الملمس وطعمها حامض مثل الليمون، مشهورة في بلدان مختلفة مثل العراق
وسوريا بالتحديد، لجأ لها المصريون في بداية الأمر لصنع المربى أولا، تماما كحال
أغلب الفكهات التي يخافون فسادها كالفراولة والمشمش والتين، ثم استخدموه محبي
المزاج والأكيلة بعد ذلك فى المخللات، للحصول على فوائده بكل الطرق الممكنة، في
الحلو والحادق.
فهو يحتوى على العديد من الفيتامينات أهمها (ج وب) أو «C،B»، ويتميز بوجود مضادات الأكسدة، وهو فعال جداً فى علاج الأمراض المرتبطة بالسمنة، ولهذا يستخدم فى كبسولات إنقاص الوزن، علاوة على أهميته لأمراض السكرى والقلب وارتفاع الكوليسترول.
متى وكيف بدأت قصة "مربى اللارنج"
كيلر هو اسم أول علامة تجارية لمربى
اللاريج، حيث تعود أصل الحكاية إلى القرن الثامن عشر، تقريبا في 1737 حين اشترى
"جيمس كيلر" في اسكتلندا بناءً على مجرد تكهنات ، شحنة سفينة إسبانية
بها البرتقال المر، عندما سعت السفينة إلى اللجوء من عاصفة واقعة عليهم، وبسبب
التأخير الذي سببته العاصفة صار البرتقال المر – اللارنج - أقل نضارة مما كان يجب أن يكون؛ فاشترى جيمس كيلر الشحنة بثمن زهيد، وتركها لزوجته
وقيل في كتب مترجمة أخرى أنه تركها
لوالدته، التي قامت بغلي البرتقال المر مع السكر الذي تحول إلى مربى، وقد كانت
تلك هي الطريقة الوحيدة لحفظ أو تخزين أي شيء.
وبعد المربى، صنع المصريون اللارنج
المخلل الذي لم يُعرف إلى الآن متى بالتحديد ترعرع في وادينا الطيب هذا المخلل
اللذيذ.
All rights reserved. food today eg © 2022