بعد رمضان كانت القهوة المشروب الأكثر افتقادًا، فانتشرت على مواقع التواصل جمل وعبارات في حب فنجان القهوة الأول بعد غياب شهر، لكن فنجان القهوة لم يكن عشق مستحدث، ولا "ترند" مع أغاني فيروز،
القهوة تمثل حالة من قديم الأذل، طالت كتاب وشعراء سبقوك في عشقها، فكتبوا عنها
يتغزلون فيها كأنها قصيدة حب، فإن كنت واحدًا من عشاق "عذراء الصباح"، فقد
أتينا إليك في تلك السطور ببعض ما كتبه الشعراء والكتاب في حبها ورائحتها المميزة، وما كانت تفعله بهم كل صباح جديد، تمامًا كما تفعل هي معك الآن.
الشاعر محمود درويش "قليل منها لا يروي"
أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين، الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، وقد كان من أكثر الشعراء الذين كتبوا
للقهوة وعنها، ومن أشهر ما كتبه في حبها: "أُريد رائحة القهوة، لا أريد غير رائحة
القهوة، ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة، لأتماسك، لأقف على قدميّ،
لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه، لنمضي معًا، أنا
وهذا النهار، إلى الشارع بحثًا عن مكانٍ آخر". وقال أيضا: "القهوة كالحب قليل منه لا يروي وكثير منه لا
يشبع".
القهوة اخت الوقت وعذراء الصباح
قال "درويش" أيضا عنها: "القهوة لا تُشرب على عجل، القهوة أخت الوقت
تحتسى على مهلِ، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي
الذكريات، القهوة، لمن أدمنها مثلي هي مفتاحُ النهار، لمن يعرفها مثلي؛ هي أن تصنعها بيديّك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل
الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح
الصامت. الفجرُ، أعني فجري، نقيضُ الكلام. ورائحة القهوة تتشرّب الأصوات، يذيبني
طعم حرارتها، يتغلغل بخلايا جسمي وروحي ويهيم القلب إذا ظهرت، تتجمل باللون
القاني فتزيد بهاء وحضورا.
أدهم الشرقاوي بطل المقاومة التي كانت القهوة
حديثه الأجمل
ولم لا يعرف أدهم الشرقاوي، فقد كان أحد
الأبطال الشعبيين المصريين الذي قاموا بعمليات مقاومة ضد القوات الإنجليزية
والإقطاعيين، لم يكتب له العمر الطويل حيث قتل عام 1921 على يد أحد أفراد الشرطة
وهو لا يزال في الـ 23 من عمره، ألهمت قصة كفاحه وبطولاته العديد من الأعمال الفنية
والأدبية فيما بعد، وصارت سيرته ملحمة شعبية يتناولها العامة على مدار سنوات طويلة،
ورغم هذا الكفاح السياسي، تملك منه حب القهوة وكتب في حبها مرة يقول: "تعالي نختلق حديثاً صباحياً عن
أي شيء، حتى لو كان عن أن القهوة مرة وحديثك سكر".
إليف شافاق الروائية التي شبهت القهوة بالحب
كاتبة وروائية فرنسية المولد وتركية الأصل،
عرفت في العالم العربي بأشهر رواياتها، "قواعد العشق الأربعون"، التي بيع منها أكثر من نصف مليون نسخة، لتصبح الأكثر مبيعاً في تركيا والعالم العربي، إلا أن القهوة لم تمر عليها
دون أن تترك أثرا عليها في روحها وفي كتاباتها، فكتبت في أحد أعمالها الأدبية:
"يقال إنّ القهوة مثل الحب، كلما صبرت عليها أكثر؛ ازداد طعمها حلاوة".
نزار قباني.. الأبن البار للقهوة
شاعر الحب والرومانسية نزار قباني، تحدث عن
القهوة في معظم قصائده، حتى أنه كتب قصيدة اسمها "اشربي القهوة يا سيدتي"،
ومن أجمل ما كتب عن القهوة : "القهوة هي عجوز معمّرة، لها أحفاد برره
يقبّلونها كل صباح ومساء وأنا أكثرهم براً بها"، وكتب أيضًا: "عندما
أشرب القهوة معك أشعر أن شجرة البن الأولى زرعت من أجلنا"، وكتب: "إياك وحب
امرأة تعشق القهوة، فهي تعلم أن لذة القهوة تكمن في غليها، ستتركك تغلي على
مهلِ".
الشاعر مريد البرغوثي: أعظم ما في القهوة
التوقيت
في كتاب "ولدت هناك، ولدت هنا"، وصف الكاتب
الفلسطيني مريد البرغوثي القهوة وصفا جميلا جسد كل جماليات القهوة وسرها، فقال
عنها: " يختلف الناس في سر القهوة وتختلف آراؤهم، الرائحة ، اللون، المذاق، القوام، الخلطة،
الهال، درجة التحميص، شكل الفنجان، وغير ذلك من الصفات، أما أنا فأري أنه التوقيت.
أعظم ما في القهوة التوقيت، أن تجدها في يدك فور أن تتمناها. فمن أجمل أناقات
العيش تلك اللحظة التي يتحول فيها تَرَف صغير إلى ضرورة.
القهوة كالورد
كتب أيضا "البرغوثي" في الكتاب نفسه:
"القهوة يجب أن يقدمها لك شخص ما، القهوة كالورد، فالورد يقدمه لك سواك، ولا
أحدا يقدم ورداً لنفسه. وإن أعددتها لنفسك فأنت لحظتها في عزلة حرة بلا عاشق أو
عزيز، غريب في مكانك. وإن كان هذا اختيارا فأنت تدفع ثمن حريتك، وإن كان اضطراراً
فأنت في حاجة الي جرس الباب".
لكل قهوة معنى
"القهوة
ألوانها مذاقات وأذواق، الشقراء والغامقة والمحروقة والوسط، ومن ملامح من يقدمها
لك، وظروف تقديمها، تكتسب معانيها المختلفة. فقهوة التعارف الأول غير قهوة الصلح
بعد الخصومة، وغير قهوةٍ يرفض الضيف احتساءها قبل تلبية ما جاء يطلبه. وقهوة
الكتابة غير قهوة القراءة، وهي في السفر غيرها في الإقامة ، وفي الفندق غيرها في
البيت، وقهوة الموقد غير قهوة الآلة. وهي من وجه مرح مليح في المقهي غيرها من وجه
متجهم منكود. وقهوة العرس غير قهوة العزاء حيث تفقد القهوة السادة كل معانيها،
يديرها على الجالسين المنكوبين ساق منكوب لا يعرف ضيوفه ولا يسألهم كيف يفضلونها،
فلا الساقي هو الساقي ولا القهوة هي القهوة وفنجانها مخروطي بلا أذن، لا يعينك
توقيتها ولا مذاقها وهي آخر ما يهمك في يوم كذلك اليوم، كأن اسمها سقط عنها إلي
الأبد.”
رضوى عاشور: القهوة حزن صاف
إذا كان هذا حال تميم البرغوثي مع فنجان القهوة،
فكيف هو حال محبوبته وزوجته رضوى عاشور؟، قالت رضوى عن القهوة في إحدى كتبها:
" ألمها الذي بدا فائراً في الأيام الأولى، سكن وتحول إلى حزن صافٍ تتركز في
قاعه ركدة ثقيلة وداكنة، كركدة القهوة المُرة التي تشربها مغلية مرات لا تُحصى في
الليل والنهار".