في قرونٍ مضت، في الغابات الكثيفة لأمريكا
الوسطى، كان هناك اكتشافٌ مدهش ينتظر العالم، كان ذلك في القرن السادس عشر، عندما
كانت الأمريكتان الجنوبية والوسطى موطنًا للحضارات القديمة المذهلة، مثل المايا
والأزتيك.
تعتبر حضارات الأزتيك واحدة من أعظم الحضارات
في تاريخ البشرية، وهم كانوا يعتبرون الكاكاو هبةً إلهية، فالكاكاو لم يكن مجرد طعام أو مشروب
عادي، بل كان شيئًا خاصًا ومقدسًا لديهم.
تداول الكاكاو في تلك الحضارات كعملة وسيلة
للتجارة، وكان يستخدم في الطقوس الدينية والاحتفالات، وقد اكتشف الأوروبيون الكاكاو عندما
وصلوا إلى أمريكا الوسطى خلال فترة الاستكشافات الكولومبية في بداية القرن السادس
عشر.
قصة الكاكاو: من الاكتشاف الأول إلى الإدمان الحديث
في عام 1502، أثناء رحلته الرابعة، وصل البحار
الإسباني كريستوفر كولومبوس إلى خليج هندوراس، وهناك، تم تقديم الكاكاو لكولومبوس
ورفاقه كهدية من السكان الأصليين، ولكنهم لم يدركوا قيمته الحقيقية في تلك الفترة.
لم يتم استكشاف فوائد الكاكاو بشكل كامل حتى
وصول هرنان كورتيز، القائد الإسباني الشهير، إلى المكسيك في عام 1519، وأثناء تواجده
هناك، شهد كورتيز بنفسه كيف يتم تحضير الكاكاو وتناوله من قبل الأزتيك، وقد أعجبه
الطعم والروائح العطرة والقوام اللذيذ للمشروب.
عندما عاد كورتيز إلى إسبانيا، قدم الكاكاو
للملك تشارلز الخامس، ومن هناك، انتشرت شهرة الكاكاو في أوروبا بسرعة، وفي غضون بضعة
عقود، أصبح استهلاك الكاكاو شائعًا في القصور والمحافل الراقية في جميع أنحاء
القارة الأوروبية.
تمتع النبتة بشعبيةٍ كبيرة في القرنين السابع
عشر والثامن عشر، وانتشرت زراعة الكاكاو في أماكن أخرى حول العالم، مثل الهند
الغربية وأفريقيا وآسيا، وبدأت الشركات الأوروبية في تأسيس مزارات لإنتاج الشوكولاتة اللذيذة
باستخدام حبوب الكاكاو.
مع مرور الوقت، تطورت تقنيات معالجة الكاكاو
وتحويله إلى شوكولاتة، وفي القرن التاسع عشر، تم اختراع ماكينات تصنيع الشوكولاتة
الأوتوماتيكية، مما ساهم في تجارتها وانتشارها بشكل أكبر.
في العصر الحديث، أصبحت الشوكولاتة جزءًا لا
يتجزأ من حياة الكثيرين حول العالم، وتطورت مذاقات وأنواع الشوكولاتة
المختلفة، مثل الشوكولاتة الداكنة والحليبية والبيضاء والشوكولاتة ذات النكهات
المختلفة، كما استخدمت الشوكولاتة في تحضير العديد من الحلويات والمأكولات
اللذيذة، مثل الكعك والبسكويت والآيس كريم والمشروبات الساخنة.
في الوقت الحاضر، تعتبر صناعة الشوكولاتة من
الصناعات الكبيرة والرائجة حول العالم، حيث يتم استهلاك ملايين الأطنان من
الشوكولاتة سنويًا، وتظل حبوب الكاكاو واحدة من المحاصيل الزراعية الهامة، التي تزرع في
المناطق الاستوائية حول العالم.
رغم أن الكاكاو كان يُعتبر مشروبا فاخرا في
البداية، إلا أن تطور تقنيات إنتاجه وصناعة الشوكولاتة جعله أكثر توفرًا للجميع، مع ذلك، فإن
صناعة الكاكاو تواجه التحديات في العصر الحديث، بما في ذلك التغيرات المناخية
وصعوبة الحصول على موارد الكاكاو.
تعتمد زراعة الكاكاو على البيئة والعمال في
البلدان المنتجة، وهو ما يجعل صناعة الكاكاو قضية مرتبطة بالاستدامة وحقوق العمال، ويعمل
العديد من الشركات والمنظمات على دعم زراعة الكاكاو المستدامة والتي تحافظ على
البيئة وتعطي قيمة عادلة للمزارعين.
إلى جانب الجوانب البيئية والاجتماعية، فإن
البحث الحديث يتجه نحو استخدام تقنيات جديدة في تحسين جودة ونكهة الشوكولاتة
والكاكاو، ويُجرى العديد من الدراسات لفهم فوائد الكاكاو للصحة والاستفادة منها
في صناعة المنتجات الغذائية بشكل أفضل.
أكثر 10 دول منتجة للكاكاو حسب إنتاج الكاكاو
السنوي بالأطنان:
1. ساحل
العاج: 2,034,000 طن
2. غانا:
883,652 طن
3. أندونيسيا:
659,776 طن
4. نيجيريا:
328,263 طن
5. الكاميرون:
295,028 طن
6. البرازيل:
235,809 طن
7. الإكوادور:
205,955 طن
8. البيرو:
121,825 طن
9. جمهورية
الدومنيكان: 86,599 طن
10. كولومبيا: 56,808 طن
قائمة أكثر الدول
تصديرًا للكاكاو وفقًا لقيمة الصادرات (بالدولار الأمريكي):
1. ساحل العاج: 3.575 مليار دولار
2. غانا: 1.851 مليار دولار
3. بلجيكا: 526 مليون دولار
4. هولندا: 442 مليون دولار
5. ماليزيا: 259 مليون دولار
6. البيرو: 154 مليون دولار
7. إندونيسيا: 80 مليون دولار
8. ألمانيا: 32 مليون دولار
9. مدغشقر: 28 مليون دولار
10. الولايات المتحدة
الأمريكية: 28 مليون دولار
من بذرة إلى قطعة: صناعة الشوكولاتة
عند الحديث عن صناعة الشيكولاتة، لا يمكن تجاهل
الدور الهام الذي يلعبه الكاكاو في إنتاج هذه الحلوى اللذيذة، يُعد الكاكاو مكونًا
أساسيًا لصناعة الشوكولاتة، وهو ما يجعل فهم عملية زراعته وتحويله إلى منتج نهائي
يستحق الاهتمام.
ينتج الكاكاو عن طريق استخراج بذور شجرة
الكاكاو، المعروفة بإسم "Theobroma cacao"،
والتي تنمو في المناطق المدارية بالقرب من خط الاستواء، يتم زراعة هذه الشجرة في
الدول الاستوائية مثل غانا وكوت ديفوار والبرازيل وإندونيسيا والإكوادور، حيث توفر
المناخ المناسب والتربة الغنية لنمو الكاكاو.
بعد زراعة شجرة الكاكاو ونمو الثمار، يتم جنيها
عندما تكون ناضجة، تحتوي الثمار على بذور الكاكاو، وتبدأ عملية صناعة الشوكولاتة
من خلال تحضير هذه البذور، ويتم فتح الثمار واستخراج بذور الكاكاو، وتترك البذور
لتختمر لمدة عدة أيام، وتتم هذه العملية الحيوية لتطوير النكهة الغنية وتخفيف مرارة البذور.
بعد التخمير، يتم تجفيف بذور الكاكاو بالشمس أو
باستخدام مجففات خاصة. بعد ذلك، تتم عملية تحميص البذور لإبراز النكهة والعطر
الخاص بالكاكاو، بعد التحميص يتم طحن البذور للحصول على مسحوق الكاكاو، والذي يستخدم
في تحضير الشوكولاتة.
يتم إضافة مكونات أخرى إلى مسحوق الكاكاو
لإنتاج الشوكولاتة، تشمل هذه المكونات السكر والزبدة الكاكاو والحليب المجفف، ويتم
خلط المكونات معًا وطحنها لفترة طويلة للحصول على مزيج ناعم ومتجانس.
بعد طحن المكونات، يتم تسخين الشوكولاتة لتصبح
سائلة، وتعرض لعملية التجفيف لإزالة الرطوبة الزائدة وإعطاء الشوكولاتة النهائية
نسيجًا صلبًا، يتم بعد ذلك صب الشوكولاتة في قوالب وتركها تبرد وتتجمد.
يعد الكاكاو مصدرًا غنيًا بالمواد المضادة للأكسدة
والمغذيات الهامة مثل المغنيسيوم والحديد والمغنيسيوم والفلافونويدات، بالإضافة إلى
ذلك، يحتوي الكاكاو على مركبات تساعد في تحسين المزاج وزيادة الإحساس بالسعادة،
مثل الفينيل إيثيل أمين (PEA) والسيروتونين.
تُعتبر صناعة الشوكولاتة صناعة ذات أهمية
اقتصادية كبيرة فالشوكولاتة تُستهلك على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وتعتبر
مصدرًا للمتعة والاحتفالات والهدايا، وتوفر صناعة الشوكولاتة فرص عمل للعديد
من الأشخاص، بدءًا من مزارعي الكاكاو وحتى العمال في مصانع الشوكولاتة والعاملين
في التوزيع والتسويق.
بالإضافة إلى ذلك، هناك اهتمام متزايد بتطوير
شوكولاتة صحية ومبتكرة، فقد تم استخدام مسحوق الكاكاو في إنتاج الشوكولاتة الداكنة ذات نسبة
عالية من الكاكاو والتي تحتوي على نسبة أقل من السكر، مما يجعلها خيارًا صحيًا
أكثر، كما تم استخدام الكاكاو في إنتاج شوكولاتة خالية من اللاكتوز
والغلوتين لتلبية احتياجات الأشخاص الذين يعانون من حساسية أو تحمل ضعيف لهذه
المكونات.
يمثل الكاكاو وصناعة الشيكولاتة مجالًا شيقًا
ومتعدد الجوانب، إنها صناعة تجمع بين الزراعة والتكنولوجيا والإبداع، وتلبي رغبات
الناس في الحلوى والمتعة، ومع استمرار الابتكار والتوجه نحو الاستدامة والصحة، فإن صناعة
الشوكولاتة مستعدة للنمو والتطور في المستقبل.
اقتصاد الكاكاو والشوكولاتة في حضارة الآزتيك: النبات السحري والثروة الزراعية
الزراعة كانت جزءًا كبيرًا من ثقافة الآزتيك
واقتصادهم؛ فكانت مصدر طعامهم الرئيسي وكذلك مصدر ربحهم الرئيسي، زرع
الآزتيك طعامهم بكميات وفيرة جدًا لتمكينهم من إطعام سكانهم البالغ عددهم أكثر من
750ألف شخص، وكانت المنتجات الزراعية المصدر الرئيسي للطعام، حيث كان من الصعب
الحصول على اللحوم عمومًا وكانت تُحفظ للمناسبات الخاصة، وتم بيع المحاصيل في السوق وتبادلها مع
الدول المجاورة، واستُخدم الطعام أيضًا كعملة متداولة، مثل حبوب الكاكاو، وكان يتم تبادل
عدد معين من حبوب الكاكاو مقابل سلع أخرى. واحدة من الأسباب التي جعلتها شائعة
للغاية كانت لأنه يمكن بسهولة صنع الشوكولاتة من حبوب الكاكاو، وكانت
الإمبراطورية الآزتيكية مشهورة بشوكولاتتها المذهلة.
كانت الزراعة لدى الآزتيك معروفة أيضًا
بتقنياتها المتقدمة في الزراعة، ولا يمكن لحضارة أن تصبح مشهورة بزراعتها دون وجود مزارعين ممتازين، وكان
مزارعو الآزتيك يعرفون تقنيات الزراعة جيدًا للغاية، وكانوا يعرفون كيفية الحفاظ
على نمو المحاصيل بكفاءة، وابتكروا استراتيجية زراعية خاصة بهم تسمى "نظام زراعة
تشينامبا"، وفي هذا النظام، كان المزارعون يحفرون قنواتًا للحصول على الطين
ويكومون هذا الطين في مفرشات كبيرة مصنوعة من القصب الذي كان محبوكًا معًا، وكانوا
يضعون هذه المفارش فوق بحيرة، مع تثبيت أشجار الصفصاف السريعة النمو وأعمدة
للمساعدة في تثبيتها، وكانت المنطقية وراء ذلك هو وجود الماء في الجزء السفلي من المفرشة،
ولكن لا يوجد ماء في الجزء العلوي؛ حيث ستكون النباتات تحتفظ بالماء باستمرار دون
أن يكون هناك كمية زائدة، وكانت هذه المفارش تُعرف باسم "الحدائق العائمة"، وتحتوي
هذه المفارش على خضروات مثل البطاطس والذرة والطماطم والأفوكادو والفاصوليا والقرع
والبابايا والقطن وحبوب الكاكاو والفلفل، وكان لدى المزارعين أيضًا تقنية لتطهير
مناطق كبيرة من الغابة تُسمى "تقنية التخلص والحرق"، حيث كانوا يقومون
بقطع جميع الأشجار، ويتركونها مكدسة، ثم يحرقونها جميعًا معًا لخلق سهول كبيرة
يمكنهم فيها حفر القنوات للزراعة أو إنشاء حدائق خضروات.