leftlogo

الفول المدمس.. حكاية طبق شعبي يتصدر موائد المصريين في رمضان

A A A
IMG-20250313-WA0010
الفول المدمس
يعد الفول المدمس الوجبة الرسمية للمصريين، حيث يشكل عنصرًا أساسيًا في وجبة السحور خلال شهر رمضان الكريم.

بروتين الفقراء منذ عهد الفراعنة



استخدم المصريون القدماء الفول المدمس كبديل للبروتين، وظل الأكلة الشعبية الأولى في مصر حتى اليوم، حيث يُقدَّم بطرق متنوعة تعتمد على حبوب الفول الممزوجة بعصير الليمون والتوابل مثل الملح والكمون.

طرق الطهي عبر العصور



اعتاد المصريون القدماء تسوية الفول في قدور كبيرة، بدأت بصناعتها من الفخار، ثم انتقلت إلى النحاس، حتى أصبحت تصنع من الألومنيوم في وقتنا الحالي.

طريقة الطهي في الماضي



كان المصريون القدماء يضعون الفول في قدور مليئة بالماء، ثم يتم وضعها داخل رماد الفرن حتى ينضج تمامًا، ليتم تناوله بعدها كوجبة رئيسية. 

وكان المكان الذي تتم فيه هذه العملية يُعرف باسم المستوقد.

الفول المدمس تراث مستمر



رغم مرور آلاف السنين، لا يزال الفول المدمس جزءًا من الثقافة الغذائية المصرية، محتفظًا بمكانته كوجبة شعبية مفضلة لدى جميع الفئات.

يرتبط اسم الفول المدمس بطريقة طهيه، حيث يعود أصل الكلمة إلى المصرية القديمة، إذ تعني "تمس" الفول المدفون، والتي تحوّلت فيما بعد إلى "مدمس" في اللغة العربية.

رواية أخرى نسبة إلى "ديموس" اليوناني



هناك رواية أخرى تشير إلى أن التسمية تعود إلى رجل يوناني يدعى "ديموس"، كان يعيش في مصر القديمة ويمتلك حمامًا عموميًا يحتوي على مستودع لحرق القمامة لتسخين المياه.

فكر "ديموس" في استغلال حرارة الحرق لتسوية الفول، فقام بوضع قدرة الفول في القمامة المشتعلة حتى نضج، وكانت النتيجة مبهرة، مما أدى إلى انتشار الطريقة بين المصريين، وأطلقوا عليها اسم "مدمس" نسبة له.

الفول في الحضارة المصرية القديمة



أكد الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار، أن المصريين القدماء عرفوا الفول وزرعوه، كما تم توثيقه في البرديات وعلى جدران المعابد، لكنه لم يكن يستخدم كغذاء للإنسان في البداية، بل كان يُزرع كعلف للحيوانات، كما كانت زراعته مفيدة للتربة.

وكشف الدكتور مجدي شاكر أيضًا، أن تاريخ الفول المدمس في مصر يعود إلى عصر الأسرات الأولى، حيث عثر العالم "شفينفورت" على بذوره داخل أحد قبور الأسرة الثانية عشرة.

كما ظهرت أدلة أخرى على وجوده في مدينة طيبة خلال عصر الدولة الحديثة.

ذكر الفول في النصوص الطبية القديمة



أوضح شاكر أن الأوراق الطبية المصرية القديمة، مثل برديات إيبِرس وهاريس، أشارت إلى الفول بأسماء مختلفة، منها: 
 
- أوربت  
- أور
- أوري فور  

أدلة أثرية على زراعة واستخدام الفول

تم العثور على بذور الفول في مواقع أثرية بارزة مثل سقارة وكوم أوشيم، والتي تعود إلى العصر اليوناني الروماني. 

كما تُظهر نقوش مقبرة رخيمي رع، وزير تحتمس الثالث، تسلمه كميات كبيرة من الفول والعسل لخزانة معبد آمون.  

الفول في الطقوس المصرية القديمة



أوضح شاكر أن الرسوم والنقوش القديمة تُظهر العمال وهم يقدمون قرابين الفول، ويكدسونها في "كومة"، كما تشير بعض النقوش إلى هرس وغربلة الفول، مما يؤكد أهميته في الحياة اليومية والدينية للمصريين القدماء.  

أصل كلمة "قدرة" في اللغة المصرية القديمة



كشف الدكتور مجدي شاكر أن كلمة "القدرة" التي تُستخدم للدلالة على وعاء طهي الفول تعود أصولها إلى اللغة القبطية، حيث اشتُقت من كلمة "هيدرا" التي تعني بلاص أو جرة أو "قدر". 

ولا تزال الكلمة متداولة في اللغة العامية المصرية حتى اليوم، إذ يُقال "قدرة الفول" للدلالة على الوعاء التقليدي المستخدم في طهي الفول المدمس.  

الفول المدمس.. الأبرز بين أنواع الفول



رغم تعدد أنواع الفول، يظل الفول المدمس الأوسع انتشارًا والأكثر شهرة بين المصريين، وقد ذكره العلامة أحمد أمين في موسوعته "قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية"، مشيرًا إلى أن طريقة صنعه جعلته وجبة مفضلة في ليالي الشتاء وشهر رمضان المبارك.  

الفول غذاء الفقراء والأغنياء



أوضح العلامة علي الجندي في موسوعته "قُرة العين في رمضان والعيدين" أن الفول المدمس يُعد من الأطعمة الأساسية التي يشترك في تناولها الفقراء والأغنياء على حد سواء، نظرًا لرُخص ثمنه وقيمته الغذائية العالية، حتى أن العامة أطلقوا عليه لقب "مسمار الضلعة"، في إشارة إلى قدرته على منح الطاقة والشبع طوال اليوم.  

إبداع المصريين في تحضير الفول



أبدع المصريون في تحضير الفول بطرق متنوعة، حيث يتميز كل إقليم في مصر بأسلوب خاص في تقديمه:  

القاهرة: الفول بالزيت والليمون والكمون، والفول بالزبدة.  

الإسكندرية: الفول بالبصل والطحينة وزيت الزيتون.
  
الدلتا: الفول بالطماطم والكزبرة، وطاجن الفول بالبيض. 
 
دمياط: الفول بالحمص. 
 
الصعيد: الفول بالزيت الحار، أو بالصلصة والشطة، أو بالثوم.  

انتقال الفول المدمس إلى الدول العربية



لم يقتصر انتشار الفول المدمس على مصر، بل انتقل إلى العديد من الدول العربية وأصبح جزءًا من مطابخها التقليدية.  

-في السودان: يُعرف باسم "حبيب الشعب"، ويتم تناوله مع البصل والبهارات والطماطم، وأحيانًا يُضاف إليه اللبن الرائب. 

كما يُعدّ كوجبة رئيسية تسمى البوش، حيث يُوضع الخبز فوقه مثل الفتة.  

- في السعودية: دخل الفول المدمس إلى الحجاز عن طريق الحجاج المصريين، وسرعان ما انتشر في باقي مناطق المملكة، ليصبح وجبة أساسية على موائد الإفطار في رمضان.  

رواية تُشكك في مصرية الفول



رغم الاعتقاد الشائع بأن الفول المدمس مصري الأصل، هناك رواية تشير إلى أصوله القديمة خارج مصر.  

ذكرت الموسوعة الشاملة "إنسيكولوبيديا" عبر موقعها الإلكتروني أن علماء التاريخ عثروا على أقدم بقايا للفول في فلسطين، حيث تعود إلى الفترة ما بين 6800 إلى 6500 قبل الميلاد، أي في العصر الحجري الحديث.  

كما تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الفول كان غذاءً شائعًا في حضارات البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى منذ عام 3000 قبل الميلاد، حيث استهلكته الحضارات المصرية والرومانية واليونانية بجانب البازلاء، والعدس، والحمص.  

أدلة أثرية تدعم مصريته  



على الجانب الآخر، تؤكد العديد من المصادر التاريخية أن المصريين القدماء عرفوا الفول منذ عصر الأسرات الأولى.  

وذكر الدكتور خالد عزب في كتابه "الآثار - شفرة الماضي.. اللغز والحل"، أن الفول كان من أهم البقوليات التي زرعها المصريون القدماء.


ولا تزال بعض هذه البذور محفوظة في المتحف الزراعي بمنطقة الدقي في محافظة الجيزة، مما يعزز فكرة أن مصر القديمة لعبت دورًا أساسيًا في زراعة الفول وانتشاره.  

بغض النظر عن أصل الفول المدمس، يظل وجبة شعبية أساسية في مصر والدول العربية، حيث يُقدم بطرق مختلفة تعكس تنوع الثقافات والمطابخ في المنطقة.

RELATED ARTICLES

FoodToday TV

All rights reserved. food today eg © 2022