من أوروبا إلى الولايات المتحدة وآسيا وحتى إفريقيا، تنتشر «في الظل» متاجر جديدة ولكنها غير مخصصة للبيع أو لاستقبال الزبائن وإنما لتجهيز طلبات البقالة وتوصيلها في غضون دقائق، وتعرف هذه المتاجر التي تُشغلها شركات البيع بالتجزئة وخاصة الناشئة منها باسم «المتاجر المظلمة»، في تجارة إليكترونية ستصل حجم تعاملاتها لـ 7 تريليون دولار العام المقبل.
والمتاجر المظلمة تبدو تمامـًا مثل المتاجر العادية، إذ تضم ممرات ورفوف تحمل البضائع ولكنها مخصصة فقط بهدف تجهيز الطلبات التي طلبها الزبائن عبر الإنترنت لإرسالها إليهم في أسرع وقت ممكن، ورغم أن ظهور هذه المتاجر يعد أمرًا جديدًا، إلا أنه أصبحت هناك أماكن تستخدم الروبوتات لإتمام عملية تجهيز الطلبات وتسلميها بأسرع وقت ممكن.
المتاجر المظلمة لن يجدها العملاء أمامهم رغم أنها تقع في مركز المدينة أو في الأحياء الأكثر اكتظاظـًا بالسكان، وتختار شركات المواد الغذائية وبيع البقالة عبر الإنترنت هذه الأماكن لتكون قريبة من منازل الزبائن وبدلاً من أن يستغرق توصيل الطلبات «الدليفري»، فإن الأمر أصبح لا يحتاج إلا لدقائق.
الهدف من المتجر المظلم هو دعم خدمة التسوق الرقمي السريعة والفعّالة
للمستهلكين، فهو يتيح تحويل عمليات الشراء عبر الإنترنت إلى طلبات فعلية بسرعة،
إما للاستلام من قبل العملاء أو للتوصيل إلى منازلهم.
ازدهرت صناعة «المتاجر المظلمة» بشكل ضخم بعد تفشي فيروس كورونا وفرض تدابير الإغلاق على المتاجر الكبرى ودخول المستهليكن في الحجر الصحي، وتزاحم المستثمرون على الشركات الناشئة في المتاجر المظلمة، بعدما أحدث السرعة الفائقة في توصيل البقالة إلى الزبائن، ثورة في عالم «الدليفري» للمواد الغذائية والوجبات الجاهزة، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة «بيزنس إنسايدر».
وتعد هذه المتاجر بمثابة محيط أزرق لشركات بيع البقالة بالتجزئة، ويضمن لها معدلات نمو وإيرادات متزايدة على مدار فترة طويلة، خاصة مع النمو غير المسبوق لسوق البيع الإلكتروني.
وأصبحت المتاجر
المظلمة أحد الخيارات العديدة التي بدأ تجار التجزئة في التحول إليها مع نمو أحجام
التجارة الإلكترونية، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة تحولت سلاسل متاجر منذ 2020 مع
تفشي كورونا، للبيع عبر متاجر مظلمة ومنها مثلاً «Whole Foods»، و«Giant Eagle».
كما تخصص سلاسل متاجر رئيسية أخرى مثل «Kroger» و«Giant Company» مبالغ كبيرة للحصول على بدائل مثل
المتاجر المظلمة لتسليم الطلبات للزبائن.
وتنشط في نيويورك شركة «Fridge No More» الناشئة لتوصيل طلبات البقالة في 15 دقيقة.
وتجد موظفي التوصيل في الشركة التي تستخدم «المتاجر المظلمة» مع حقيبة ظهر بالأزرق والأبيض وخوذات بيضاء والتي تسمى بأصحاب الخوذات البيضاء، ينتشرون في شوارع المدينة لتسليم الطلبات للزبائن، قبل العودة خلال دقائق لتوصيل طلبية جديدة.
وازدهرت أعمال الشركة التي بدأت فكرتها في 2019، نحو 15 مليار دولار على الأقل حتى منتصف العام الماضي.
انتشار واسع للمطاعم المظلمة
وفقـًا لتقرير نشرته مجلة «فوربس» الأمريكية فإنه بسبب المتاجر المظلمة سيصل حجم الاستثمارات في مبيعات التجارة الإلكترونية إلى ما يقرب من 6.5 تريليون دولار بحلول العام المقبل.
وأوضحت الصحيفة أن الأشكال المتعددة للمتاجر
المظلمة سمحت بظهور ما يعرف بـ«مطابخ الشبح» والتي تستخدمها فعليـًا
سلاسل مطاعم الوجبات السريعة مثل «Wendy’s» و«Chick-fil-A» وغيرها.
و«مطابخ الشبح» هي مطابخ مخصصة لتحضير وجبات الدليفري فقط، والتي ظهرت كنموذج تجاري استجابة للنمو
السريع على طلب الطعام عبر الإنترنت.
ويمكن لهذه المطابخ أن تتخفى أيضـًا في أحد البنايات بالأحياء السكنية لتكون قريبة من الزبائن.
وقالت مطاعم «Wendy’s» إن المطابخ الشبح أو المطابخ الوهمية ستلعب دورًا مهمًا في استراتيجيتها للتوسع بما في ذلك في الأسواق التي لا تدير فيها لا تمتلك فيها فروع.
وفي المملكة المتحدة، أشار تقرير لموقع «The Grocer» فإن المتاجر المظلمة لأكبر سلاسل البيع بالتجزئة مثل «Tesco» Sainsbury’s» و«Asda»، هي مستقبل مبيعات البقالة في البلاد خاصة مع استحواذ المتاجر الكبرى على مساحات شاسعة تخصصل لبناء المستووالمتاجر المظلمة لتكون أقرب ما يكون للمستهلك.
متاجر مظلمة
في الهند هناك ثمة منافسة شرسة بين الشركات الناشئة في الأغذية والمشروبات، من أجل الوصول بأسرع وقت لمنازل المستهلكين وبأي طريقة، وازدهرت خدمات الدليفري لشركات توصيل البقالة الناشئة في البلد ذو الكتلة السكانية الضخمة، خاصة مع تسليم الطلبات للزبائن في غضون 10 دقاىق وذلك بفضل «المتاجر المظلم».
وتعد شركتي Blinkit» و«Zepto»، لخدمات التوصيل السريع، من أكثر الشركات
التي تُدير متاجر مظلمة في سوق يضم 1.4 مليار عميل.
ومع توجه الزبائن
لخدمات الشركات الناشئة هذه خاصة بعد الحصول على البقالة في وقت قياسي، اضطرت شركة «Reliance»،
وهي الأكبر للبيع بالتجزئة في الهند، على الاستثمار في مجال التوصيل الفوري وذلك
عبر «Dunzo» وهي شركة
ناشئة في خدمة توصيل الطلبات عبر الإنترنت في 19 دقيقة.
انتعاش تجارة التوصيل للمنازل
ومن الهند إلى روسيا، حيث أطلق «Yandex» عملاق الإنترنت الروسي خدمة «Lavaka» لتوصيل البضائع للمنازل في عام 2019، وفي البداية لم تحقق الخدمة نجاحـًا يُذكر رغم أنها تستهدف توصيل الطلبات في غضون 15 دقيقة.
ولكن مع تفشي كورونا، وفرض تدابير الإغلاق،
انتعشت الخدمة مع إقبال
الأشخاص على شراء كل احتياجاتهم الضرورية من الغذاء إلكترونيا.
اهتمام متزايد بخدمات الدليفري
وكانت المتاجر
المظلمة كلمة السر في النجاح الضخم خاصة مع عدم انتظار الزبائن لأيام طويلة للحصول
على طلباتهم، ومع توظيف الشركات عمال الدليفري بدرجات هوائية، أصبح المستهلكون لا
يقلقون على مخزونهم من المواد الغذائية في أي وقت.
وتغيرت عادات العائلات
في موسكو وغيرها من المدن الروسية، خاصة مع تقليل الذهاب إلى المتاجر لشراء البقالة إذ توصّل "Lavaka" المشروبات والمعلبات إضافة إلى
المنتجات الطازجة، وبلغت إيرادات الخدمة في الربع الأخير من عام 2020 نحو 52,4
مليون دولار.
يشار إلى أن التوجه
المتزايد على خدمات التوصيل السريع عبر المتاجر المظلمة التي تشغلها شركات ناشئة
أو غيرها، شكلت ضغوطا غير عادية على عمالقة البيع بالتجزئة الإلكتروني مثل «Amazon»، خاصة مع تباطؤ كبير في سرعات بسبب
اختناقات سلاسل التوريد العالمية.
ووفقـًا لمحللين، فإن
صناعة المتاجر المظلمة هي مستقبل بيع البقالة مع توقعات بتغيرات سريعة في هذا
المجال خاصة في ظل المنافسة الشديدة بين شركات البيع بالتجزئة للوصول إلى العميل
أولا.. فهل نحن مستعدون للمستقبل؟.
All rights reserved. food today eg © 2022