علاج الملوك وأكلة الفقراء.. متى عرف العالم "البقسماط"

من لا يحب البقسماط المقرمش اللذيذ، منقذ الجائعين في الليل، وصديق محبي الشاي باللبن، وواحد من أشهر المقبلات الموجودة حول العالم، والبقسماط هو نوع من المخبوزات الصغيرة التي صنعت في الأساس لحفظ الخبز لأطول وقت ممكن، في الوقت الذي لم تكن هناك طرق متنوعة لحفظ الطعام كالتي نعرفها اليوم، ورغم أن البقسماط من المخبوزات الشهيرة الموجودة في مصر، إلا أن أصوله ليست مصرية كما يعتقد البعض فهو إيطالي الصنع.

البقسماط بالإنجليزي يعني "breadsticks"، أي عصا الخبز، وكما موضح من الإسم فقد كان البقسماط مقصودا به الخبز المحمص على شكل عصا، وتذكر الرواية الأولى في أصله أنه في القرن الرابع عشر في أحد المدن الإيطالية ابتكر الخبازين طريق لحفظ الخبز لفترة أطول، مع تقليل وقت صنعه فاخترعوا عصا الخبز المحمص للحفاظ عليه لأطول وقت. 

أما الرواية الأخرى، فتقول أن أصل صنع البقسماط يرجع لعام 1675، عندما أُصُيب الدوق فيتوريو أميديو الثاني ملك إيطاليا وقتها بتسمم شديد نتيجة لنتاوله خبز ملوث، أدى به إلى فقدان شهية، فأمر الطبيب المعالج طهاه القصر بعمل خبز صغير شديد وليس طري، لعلاج عصر الهضم ولمعاونته على الشفاء، وبالفعل تم خبز عصا الخبز الذي ساعده على الشفاء وتحسنت صحة الدوق، وبعد أن أصبح أميديو الثاني ملك جزر صقلية وساردينيا في ايطاليا، جعل البقسماط هو المقبل المفضل الرسمي له، وشاع تقديمه كهدية للملوك في الدول الأخرى.

وسرعان ما انتشرت وصفة صنع البقسماط في إيطاليا كلها والعالم من بعدها وسمي وقتها بخبز الملوك.  

كان للبقسماط مكانة خاصة في العالم العربي، فقد كان منقذ الفقراء في الأزمات الاقتصادية التي ضربت الشام ومصر، حتى أن الأثرياء كانوا يوزعون البقسماط على الفقراء عندما قل إنتاج الخبز.

وبحسب كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة الذي يحكي كيف كان الملوك العثمانين يوزعون ويخبزون البقسماط خصيصًا للجنود، كان محمد علي يخصص أماكن لعمل البقسماط الخاص لجنوده، وحين قرر إرسال حملة عسكرية مصرية للسودان أرسل معهم الذخائر والأسلحة والبقسماط. 

في دمشق تجارة البقسماط تزدهر وتتوسع، حتى أنه ظهر هناك خان البقسماط، وهو المكان الوحيد الذي صنع فيه البقسماط وبيع لباقي الدول العربية وقتها.  

وفقًا للمصادر التاريخية، فإن كلمة بقسماط أصلها لاتيني من كلمة بكسماذيا، وفي اللغة الأمازيغية تسمى "بق" وحُرفت لتصل إلينا بهذا الاسم، وباليونانية محرفة من "بكسماذيون" أو "بكساماديون"، وفي القاموس التركي تسمى المقرمشات اليونانية باسم البقسماط، ولا عجب في ذلك، فقد احتكت الثقافتين عندما كانت اليونان تحت الحكم العثماني.