من
غرفتها يسمعها تنادي عليه بصوتها الطفولي المحبب إليه "يلا يابابا الفطار"
فهو
الوحيد المكلف بتلك المهمة يوم كان عازبًا 12 سنة وأكثر، وحتى حين صار رب أسرة،
ولى نفسه المنصب المهم، ومازال يشغله، "رئيس تحرير الفطار" في البيت ويبوت
الحبايب، بما أنها الوجبة الأهم في اليوم.
"حالًا
ياحبيبتي 10 دقايق وسيكون الفطور جاهزًا صحي ماما وأختك يلا"
يجهز
الفول المدمس البيتي- يفضله بيتي عن
المُعلب - يذكره بالوالد الذي علمه كيف يُدمس الفول في البيت، على تلك
"الدماسة" الكبيرة التي يضعها ليلًا على البوتجاز وتحتها
"شياطة" يتركها على "نار هادئة" تأخذ سواها على مهل.
ساعات
الليل هي مدة التسوية، يستقيظ أهل البيت
ورائحة فول التدميس تملأ أرجائه. الفول استوى تمامًا تذوب الحبة منه في الفم مع اللقمة كأنه زبدة يقول عنها: حبة
فول كحبة لوز.
يعرف
جودة الفولة من غيرها من لونها وملمسها وسواها.. من يومها صار مفتون بطبق الفول
المدمس في البيت..
كيف
يعد صاحب كحل وحبهان وجبة فطار لذيذة في بيته؟
في
المطبخ يقف عمر طاهر صاحب رائعة كحل حبهان ذلك الكتاب الذي "جوع" شعب
بحاله.. يحضر الصنف الأول على المائدة، طبق الفول بالطحينة والزيت
يضع
الفول في طاسة على النار، ويضف إليه توابله ملح وفلفل "ونطرة" شطة
وكوزبرة – تمامًا كما حكى وصفته بنفسه لـFood Today – ثم يضف إليهم معقلة طحينة.
يتركهم قليلًا حتى
يتجناسوا ويصبح جاهز لانضمام إليهم قليل من زيت الذرة أو يا حبذا لو كان زيت حار.
ومؤخرًا
صار يضيف لخلطته السحرية "نطرة" قرفة، بعد أن اكتشف فيها مذاق عجيب
بالنسبة له جعل طبق الفول مبهجًا أكثر من بهجته الأولى.
ماذا بعد الفول على مائدة "عمر طاهر"؟
أما
الصنف الثاني، فهو طبق البيض المقلي، يحب عمر طاهر البيت المقلي في السمن
البلدي، يسميه كما عرفه في بلده – سوهاج –
البيض المقلب. يقلبه بهدوء أثناء تسويته في السمن ويرش عليه ملح خفيف وفلفل أسود
و"نطرة" شطة كعادته التي يحب ..
لم
ينته إعداد الفطار بعد.. فالفطار كما يوصفه لنا عمر، لا يكتمل إلا بالضلع الثالث لتلك الوجبة
الرايقة الأصيلة، فهو الآن يعد طبق الجبن القريش، أو تلك ذات الملح الخفيف التي
اضاف إليها قطع الطماطم "المكعبات" ينسجم معهم قليل من حبات الزعتر في
رحاب زيت الزيتون، وإن لم يجد الزعتر، يستبدله ببساطة بكوزبرة ناشفة.. أما العيش،
فلابد مع كل تلك الفخامة أن يكون بلدي..
تحضير
تلك الأطباق الثلاثة هو الفطار المثالي لعمر، وهكذا تعودت بناته وزوجته، يمكن لأي
أضافات أن تحل ضيفًا مرحبًا به على المائدة، كبعض "البتنجان" المخلل، أو
بعض عيدان الفلفل الاخضر و سلطة خضراء أو
ربما قليل من الطرشي..
طوال
فترة زواجه يخبرنا أن تلك الوجبة العظيمة هي مسئوليته الأهم.. والكل تعود وعرف
"الفطار مسئولية بابا"..
يخرج
من المطبخ حاملًا صينية عليها الأطباق الثلاثة .. عيد ترتيبهم على ترابيزة
السفرة.. مع توزيع العيش وينادي بصوتٍ عال:
يلا
يا بنات الفطار جاهز..