"القهوة كالحُب قليل منه لا يروي وكثير منه
لا يُشبع" واحدة من أجمل ما قاله الشاعر محمود درويش في حب القهوة، ولكن عند الحديث عن القهوة، نجد الموضوع
أكبر وأعمق من جمل وعبارات، أو حتى صور يتصاعد منها دخان المشروب، ولا فنجان منه مع خلفية لمزيكا فيروز وسخرية البعض أنه مشروب المثقفين.
توسعت زراعة وتجارة البُنّ، طيلة القرون القليلة الماضية، وأصبحت جزءً من تاريخ البشرية، إذ كانت أداة لتأسيس
الإمبراطوريات، وسبباً في اندلاع الثورات الشعبية والحروب الأهلية، تمامًا مثلما ساهمت في إنعاش الثورة
الصناعية وإصلاح ما أفسدته الحياة في عقول محبيها، حتى صارت كالإدمان الذي يرفض
الجميع الإقلاع عنه، دعنا نأخذك في رحلة، نجيب فيها عن كل ما يجول بخاطرك.
من أين بدأ حب القهوة؟
يُجمع المؤرخون على
أنّ الموطن الأصلي للقهوة أو شجرة "البُنّ" هو إثيوبيا في شرق إفريقيا، ثم
تمت زراعتها بالجزيرة العربية، وبالأخص في اليمن بالقرن الـ15 الميلادي، لتنتشر
بعد ذلك تجارتها بدول الحجاز والشام والعراق وبلاد فارس وتركيا وشمال إفريقيا في
القرن الـ16، قبل أن تصل إلى أوروبا في أواخر القرن ذاته، وبداية القرن الـ17.
اقتصاد أقوى من البن
سرعان ما اكتسبت شعبية
كبيرة لمذاقها المميز ومفعولها على طرد النعاس وتمديد ساعات السهر والعمل أيضاً،
ما زاد من الطلب على هذا المشروب "السحري" الجديد، وزاد معها نهم الدول
الاستعمارية، مثل إنجلترا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا، وهولندا التي فكرت في التخلي عن البُنّ القادم من اليمن، وإنتاج القهوة الخاصة بها من خلال إنشاء
مزارع شاسعة لها بمستعمراتها الجديدة، في أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي
وإندونيسيا، فجعلت تلك الدول
الاستعمارية من البُنّ بجانب القطن والتبغ، أهم السلع التجارية الرائجة والمربحة لتقوية اقتصادها.
هل كان للبن علاقة
بالعبودية؟
لم تكن تلك الدول
لتقوى اقتصاديًا لولا اليد العاملة القوية والرخيصة في الوقت نفسه؛ لذلك لجأت بعض
الدول كهولندا إلى سوق العبيد في غرب إفريقيا، ونقلت مئات الآلاف من الرجال
والنساء إلى العالم الجديد، بأمريكا الجنوبية وجزر بحر الكاريبي، لتسهم القهوة في
رواج واستمرار العبودية في القرون الـ17 والـ18 والـ19.
أول ثورة من أجل
القهوة
صارت المستعمرة الفرنسية "سانت دومينيك" بالكاريبي، على سبيل المثال تحصد ثلثي المحصول
الزراعي العالمي للقهوة بحلول أواخر القرن الثامن عشر، بحسب موقع History الأمريكي، حتى تسبب ذلك في حرق مزارع
البُنّ لتلك المنطقة ومقتل مالكيها، خلال إحدى الثورات في عام 1791، من أجل
القضاء على هذا المحصول المهول.
أما في البرتغال فقد
سعت هي الآخرى لتكثيف زراعة البُنّ في مستعمرتها بالبرازيل، لجعلها
أكبر منتج للقهوة في العالم، وجلبت أكبر عدد ممكن من العبيد إلى العالم الجديد
وأراضيه الشاسعة بأمريكا الجنوبية، وبعد إعلان استقلال البرازيل
عن البرتغال في عام 1822 ظلت زراعة البُنّ القلب النابض لاقتصاد البرازيل
والمؤثر الرئيسي في حياتها الاجتماعية والسياسية.
ظهور المقاهي من أجل
"القهوة" واندلاع الحروب بسببها
ظهرت
"المقاهي" لأول مرة بالإمبراطورية العثمانية؛ حيث كان المسلمون الذين لا
يشربون الخمر، يجتمعون لتبادل الحديث أو للسهر على موائد القهوة بأماكن سُميت مع
مرور الوقت بـ"المقاهي"، يشربون فيها القهوة فقط، ثم انتشرت على نطاق واسع بأوروبا وأمريكا، وقد
اشتهر مثلاً مقهى "التنين الأخضر – Green Dragon" بمدينة بوسطن الأمريكية، والذي ساهم في اندلاع حرب
استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا العظمى في 1783.
الثورة الصناعية كانت
بحاجة لـ"الكافيين"
مع ازدهار الصناعة
بالدول المختلفة، وزيادة عدد المصانع والقوى العاملة التي كانت تعمل ليلاً ونهاراً،
كانت تلك المصانع بحاجة إلى زيادة إنتاجها،
وقد حققت ذلك بفضل القهوة أو بفضل مادة "الكافيين" تحديدا، والتي كانت تسمح
للعمال بالاحتفاظ بنشاطهم في الليل وتطرد النوم عنهم.
طلاب الأزهر سبب دخول
القهوة مصر
ظهرت القهوة بمصر في القرن السادس عشر ميلادي، حين لاحظ طلبة الأزهر
المصريون أن زملائهم المغتربين من اليمن – أول بلد زرعت البن - يتناولون مشروبًا
في أثناء الليل للمذاكرة، وبدأوا في تذوقه واعتمدوا عليه في المذاكرة، عوناً لهم
على السهر، وبدأ الأمر ينتشر في مصر شيئا فشيئا حتى وصلت إلى البيوت والمقاهي، وكانت القهوة تدخل مصر من بلاد اليمن عن طريق البحر إلى السويس ثم إلى
القاهرة.
ما بين الحلال والحرام وغياب العقل
انقسم المجتمع المصري وقتها بين مؤيد ومعارض لمشروب القهوة، لما
تفعله من تأثير، حتى حدوث الجدل الأشهر في الستينيات بين مشاهير العلماء الذين حرم
بعضهم شربها باعتبارها مادة مُسكرة ومُخدرة للعقل، قبل أن يفتي العلماء بعد ذلك بعدم
حرمانية شربها، حتى صارت القهوة فى بداية القرن التاسع عشر تقدم في المقاهي
على أنها المشروب الأساسي إلى جانب أي مشروبات اخرى، وكانت تُقدم في شيء يسمى "بكرج" موضوع على جمر في وعاء من
الفضة أو النحاس يسمى "عازقي".
أشهر دول العالم
انتاجًا للقهوة
تتربع 5 دول على عرش
إنتاج القهوة بالرغم من أن تاريخها ذاته لم يذكر أي من هذه الدول ظهرت فيه
شجرة البن، إلا أنها الآن تستحوذ على الإنتاج الأكبر في العالم من البن وعلى رأس
هذه الدول البرازيل التي تصدرت القائمة بإنتاجها نحو 3.165 مليون طن في
السنة، تليها فيتنام في المركز الثاني بإنتاج يصل إلى 1.770 مليون طن، ثم كولمبيا
التي يقدر إنتاجها بنحو 840 ألف طن، ثم إندونيسيا التي تنتج نحو 654.12 ألف طن،
وأخيراً هندراوس التي يقدر إنتاجها بنحو 462 ألف طن سنوياً.