في فنون الطهي لم يعد الأمر مقتصرا على الطبخ وكيفية إعداد الطعام، وتزينه
ليخرج بالشكل اللائق، إنما انضمت للقائمة، وهي مهمة غير مطلوب فيها سوى أن
تأكل وتتذوق ما يُقدم لك من طعام، ومن سنوات قريبة صارت فكرة أن تأكل أمام آلاف البشر،
المهنة الأكثر رواجًا على السوشيال ميديا، ومهنة تقييم المطاعم.
وأصبحت هناك فئة تشعر بالمتعة في مشاهدة آخرين يأكلون، حيث يتناول الشخص
وجبته أمام الكاميرا ويتحدث عن كيف هي رائعة أو حتى لو لم تكن كذلك، ويبث المقطع عبر
"يوتيوب" أو "لايف" على فيس بوك، لتحصد المقاطع مشاهدات مرتفعة
ثم أرباحاً عالية من الإعلانات والرعاة، ويصبح صاحب الفيديو بعد ذلك من أشهر
"الفود بلوجر"، أيه الحكاية؟ متى ظهرت للعالم تلك الوظيفة؟ وكيف أصبحت
هوس يحقق كل تلك الملايين؟، اسئلة لن تجد لها إجابات إلا في Food
Today.
الظهور الأول للأكل أمام الكاميرا
عرفت تلك الظاهرة باسم "موكبانغ"، واللفظ مشتق من كوريا الجنوبية، ومنشأ تلك الظاهرة في عام 2010، وهي عبارة عن كلمتين الأولى "موك" وتعني نأكل،
والثانية "بانغ" وتعني البث، في إشارة إلى "تناول الوجبات أمام الكاميرا"،
الـ"موكبانغ" انتشر من كوريا الجنوبية إلى عدة بلدان أبرزها أستراليا والولايات
المتحدة، وصولاً إلى دول عربية مثل العراق ومصر.
كيف أصبحت مهنة تجلب الملايين؟
حققت مهنة الـ "موكبانغ" - أو تناول الأكل أمام الكاميرا لنجومها أرباحاً بالملايين سنوياً، فعلى سبيل المثال
الكورية الجنوبية "كينوشيتا يوكا" (31 عاماً)، والتي لديها أكثر من 5 ملايين
مشترك عبر "يوتيوب" تربح ما يزيد على 3.49 مليون دولار سنوياً، أو الأميركية
"بيثاني جاسكين" (44 عاماً) والتي تربح ما يزيد على مليون دولار سنوياً، بخلاف عائد الاتفاقات الدعائية مع مطاعم، وذلك حسب قولها في حوار مع الإذاعة البريطانية
"بي بي سي". قناة جاسكين عبر «يوتيوب» تضم ما يزيد على مليون مشترك، وقد
تركت عملها منذ خمس سنوات تفرغًا لهذه المهنة الجديدة.
5 ساعات رياضة يوميًا
في السياق نفسه، تقول مدونة الطعام الكورية "بي جي فيري"، إنها تربح
ما يصل إلى 4000 دولار في الأسبوع لبثها مقاطع تتناول فيها العشاء، وإنها تضطر إلى
ممارسة الرياضة 5 ساعات يوميًا من أجل الحفاظ على صحتها رغم الكمية الكبيرة من الأكل
التي تتناولها خلال البث (فقد تصل السعرات الحرارية في الفيديو الواحد لأكثر من 4 آلاف
سعر حراري حسب موقع "ذا صن".
هوس بسبب الوحدة
إن كان الربح أبرز دوافع مقدمي الـ"موكبانغ"، فإن لمشاهديه دوافع
أخرى، تجعل بعضهم يصل إلى "الهوس" وأبرزها الهروب من الوحدة، وبخاصة لمن
يتناولون الطعام بمفردهم، فقد رجح خبراء وفقاً لجريدة "ديلي ميل"، أن الـ "موكبانغ" تقلل من الشعور بالوحدة،
فالتدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة جعل عدداً كبيراً من الشباب في كوريا الجنوبية
يعيشون وحدهم ويأكلون وحدهم، وعندما يشاهدون هذه الفيديوهات يهربون من هذه الحياة، حيث أشار تقرير حديث نشرته صحيفة "جارديان" البريطانية إلى أن زيادة
المشاهدات على مقاطع "موكبانغ" تزداد ممن يتناولون طعامهم بمفردهم، وأنه
يحقق لهم رواجا كبيرا.
في مصر الأكيل "مراد مكرم" الأشهر
ومن كوريا للدول العربية إلى مصر، انتشرت تلك المهنة مع انتشار السوشيال
ميديا، وأصبح لدينا أشهر مثال لتلك المهنة، برنامج "الأكيل" الذي يقدمه مراد مكرم، الذي زادت شهرته حين أصبح يستعرض مع المشاهدين مطعمًا جديدًا ويستعرض أشهى
مأكولاته ويدلى برأيه فى الطعام والمكان وخدمة المطعم لذلك سمي "الأكيل"،
وسبقه في ذلك أشهر قناة طبخ عربية وأقدمها وهي قناة "فتافيت"، حيث كانت تقدم برنامج "عباسيات" الذي قدمه عباس
فهمي معتمدًا على نفس الفكرة، وهو الذهاب للمطاعم ومعرفة أسرار الطبخة والإدلاء برأيه، ومن بعده عرفنا أسماء كثيرة في المجال نفسه مثل عمرو حلمي الذي بدأ تلك المهنة في 2014.
مهنة نقد الطعام ليست سهلة على الإطلاق.. فيها دراسة
حكى عمرو حلمي، واحد من أشهر نقاد الطعام في مصر عن مهنته يقول: "كانت أسرتي
تطلق علي لقب الذواقة، ويتركون لي مهمة تقييم الطعام واختيار أصنافه، لكثرة متابعتي
لقنوات الطهي في التلفزيون، مع إجادتي الطبخ أيضا".
ويكمل عمرو كلامه عن مجال نقد الطعام قائلًا: "الدخول إلى مجال نقد الطعام
ليس سهلاً كما يعتقد البعض، فإن حصلت على دبلومات عدة في فنون الطهي من مصر وفرنسا
وإنجلترا، بالإضافة إلى الماجستير في مجال الابتكار في الطعام من إيطاليا، كما سافرت
لأكثر من 27 دولة، للاطلاع على مدارس الطهي في كل منها، وانضممت إلى جمعية (الذواقة
الفرنسية)، بعد اختبارات عدة، كما درست أيضا فنون الضيافة، ونماذج كتابة قوائم الأسعار،
حتى تأثير (النادل) ذاته على جودة الطعام".
طهاه المطعم يخشون مهنة ناقد الطعام
وقال عمرو حلمي أيضًأ: "نهتم بشكل كبير بحقوق المستهلكين، وبالتالي فإن
هذه المهنة تعمل على زيادة حدة المنافسة نحو تقديم طعام جيد للزبائن، لكن تحقيق ذلك
يتطلب الكثير من المهارات، من بينها القدرة على الكتابة النقدية، فضلاً عن الحصول على
قدر كاف من العلم بفنون الطهي وأدواته ومتطلباته، مع المعرفة بثقافات الشعوب في الطعام،
وقبل كل ذلك التمتع بحاستي شم وتذوق شديدتين".