تأكل من كل بلد كل أنواع الخبيز مهما تأكل، إلا
العيش المصري له مذاق مختلف، خصوصًا ذلك
المُختمر في حرارة الشمس، تراه جزءًا أصيلًا من مائدة الطعام في صعيد مصر بالتحديد،
بشكله الذي يشبه قرص الشمس، لا يُطهى في الأفران الألية المعروفة، إنما يطُهى في الأفران الطينية المصنوعة يدويًا، هكذا يتفاخرون
دومًا بصنعه إلى الآن، والأجمل حينما يزور السائحون بلادهم – كالأقصر مثلا- ويسألون عن العيش الشمسي سمعًة وطعمًا فيأكلونه "حاف" من طعامته.. ولكن
ما قصة العيش الشمسي؟ وكيف أنه قديم قدم
المصريين القدماء، نخبرك القصة بتفاصيلها في Food Today، ونشرح لك كيف تصنع السيدات
في الصعيد هذا العيش اللذيذ من الألف للياء.
للعيش الشمسي قصة طويلة من قدم العصور الفرعونية،
عرف خبراء الأثار ذلك على جدران المعابد الأثرية بمدينتي الأقصر وأسوان. إلا أنه
معروف بين المصريين بأكثر من اسم، فيطلقون عليه آحيانًا "الروغفان
الصعيدي"، "العيش الشمسي"، "العيش البلدي"، و"جاتوه
الصعايدة".
إلا أن جدران المعابد ونقوشها تكشف أن المصري القديم أول من
عرف طريقة تخمير الخبز، الذي يختص بصناعته الكهنة، بوصفه طعاماً مقدساً يستخدم في
القرابين، وأنه نقش على جدران المعابد طريقة العجن والتقريص بشكل دائري كما هو
عليه العيش الشمسي اليوم، ليقدم الخبز قرابين للإله (رع) معبود الشمس لدى القدماء
المصريين، وخلال أغلب اكتشافات المقابر الملكية بوادي الملوك والملكات بمدينة
الأقصر كان يعثر بالمقابر على كميات كبيرة من الخبز التي تشبه بشكل كبير جدًا
الخبز البلدي الصعيدي.
بما إن الصعيد مشهورة بالعيش الشمسي، سألنا واحدة من بائعي
الجبن والبيض الذين يمرون على البيوت يبيعون منتجاتهم بحب واجتهاد "أم
أسماء"، التي نزلت إلى القاهرة منذ 10 سنوات بحثًا عن باب جديد للرزق مع عائلتها، عرفنا
أن أصلها من الصعيد – أسوان التحديد – حكت عن العيش الشمسي وشطارتها في عمايله، تخبرني بحماس بأنها يمكنها أن تحضر لي القليل المرة القادمة لأجرب، تحكي عنه وتقول: "أجمل
ما في صناعة الخبز الشمسي أن كل ست بيت في بلدنا تبذل كل ما في وسعها حتى يخرج
بشكل تفتخر به وسط الجيران والمعارف".
سألتها عن طريقة عمايله
قالت: "عمايله تمر بعدة مراحل، تبدأ بالتخمير، وفيها يجري تنقية الدقيق من
الشوائب و(الردة)، وبعدها يُخلط بقليل من الماء الساخن وخميرة ثم يغطى بإناء محكم،
ونتركه ليختمر من الليل وحتى الصباح. ثم تبدأ عملية العجين صباحًا، نضع قليل من
الماء على الخميرة، ونبدأ في العجن، وهو ما يتطلب قوة ونشاطاً من السيدة التي تحفر
بكل يديها".
تكمل أم أسماء كلامها: "بعد
ذلك تأتي مرحلة تقريص العجين، وتشكيله على هيئة دوائر نضعها، على ألواح دائرية
مصنوعة من الطين، لتوضع بعد ذلك تلك الألواح في الشمس حتى يأخذ الخبز الخميرة
النهائية من ضوء الشمس، وتحب بعض الستات في البلد نقشه وتزيينه، وبعضنا يتركه كما
هو، ونضعه بعد ذلك في فرن البيت المصنوع من
الطين".
أم
أسماء وهي تتحدث عن العيش الشمسي تتكمل عنه كأمل انجازتها هي شخصيًا، وأن أجمل ما في صناعة العيش البلدي هي رائحته خلال تسويته، أو رائحة البركة، كما يقول أهالي الصعيد، رائحة
كافية لأن تثير شهية كل من شمها. ومذاق مازال يجذب السياح أنفسهم، بوصفه تراثًا مصريًا
أصيلًا، الأمر الذي دفع عدد من الفنادق إلى استحداث قسم لصناعة الخبز الشمسي
بداخلها، عبر الاستعانة بسيدات احترفن صناعته.
All rights reserved. food today eg © 2022